الأربعاء، 26 فبراير 2014

اللغة والهوية



إن مسالة اللغة وعلاقتها بالهوية أخطر وأعمق من أن نعالجها في سطور قليلة ، فالهوية هي الوجود نفسه ،هي مكانة الشعب والأمة بين بني البشر ، هي الانتماء إلى طائفة أو حضارة معينة ، هي الاستمرارية هي الحاضر والماضي والمستقبل .

إن التاريخ قديمه وحديثه ، يؤكد لنا بأن كل الصراعات والحروب التي عرفتها البشرية إنما قامت على أساس الصراع بين اللغات وبين الهويات المختلفة ، و الاستعمار بمختلف أشكاله عمل دوما على طمس هوية الشعوب المستعمرة من خلال محاولته القضاء على لغات تلك الشعوب ، لأنهااللغة (المقوم الأساسي والمخزن الخاص لقيمها وثقافتها ، وهي الوسيلة الفعالة التي تمكن من تفكيك قواها من داخلها واحتوائها عاطفيا وفكريا ، وبالتالي التحكم في مصيرها فتصبح تابعة له خاضعة لسيطرته.

إن أهمية اللغة في المجتمع هي في كونها عاملا للحفاظ على استمرارية التاريخ والحضارة  وعاملا مؤثرا على ما يمكن تعلمه .

إن أي تغيير للغة يؤدي إلى قطع هذه الاستمرارية والصلة بآثار الأجداد ، مما يؤدي إلى ظهور شعب يجهل تاريخ ماضيه ولا يتعرف إلا على ما يترجم له إلى اللغة الجديدة ، وبالتالي يتم القضاء على إحدى مقومات شخصيته ، ويسهل التأثير عليه.

ولعلنا ندرك أهمية اللغة في محافظة الإنسان على هويته واستمرار تاريخه ، أو طمسهما وقطع علاقته بهما ، إذا نظرنا إلى واقع الإنسانية اليوم ومن ذلك مثلا :

إن الشعب الأمريكي شعب مكون من جنسيات مختلفة ومتباينة ، لكنه انصهر في قالب واحد هو اللغة الإنجليزية ، فأصبح الأمريكي يعتز بهويته وجنسيته ولغته.

هذا يعني أن اللغة عامل مهم في توحيد أفراد المجتمع ، وهي التي تحمل هويته وانتماءه

وحسب الأستاذةخوله طالب الإبراهيمي ، فإن الجزائري والمغربي بصفة عامة يبني هويته بالاعتماد على مرجعيات لغوية وثقافية ثلاث .

1 - الهوية القاعدية أو الأساسية وهي المعبر عنها باللغة الأصلية « identité de base » عربية أو بربرية لغة الفرد في عائلته أو قريته أو ناحيته ، ويبقى متمسكا بها حتى في حالة
هجرته إلى ناحية أخرى أو حتى إلى دولة أخرى.

2 - المرجعية الثانية هي الانتماء إلى الوطن الجزائر باعتباره فضاء موحد ، وإلى الأمة العربية وإلى الفضاء الأكثر اتساعا هو العالم الإسلامي المغذي بالتضامن الإسلامي والوحدة العربية وتعمل على تقوية الشعور بالانتماء إلى فضاء حضاري إسلامي دعامته هي اللغة العربية.

3- وثالث مرجعية هي ما تعتمد على مختلف اللغات الأجنبية التي كانت الشعوب المغاربية على اتصال بها  خاصة اللغة الفرنسية التي تعتبر أهم لغة بإعتبار المدة.

هذه المرجعيات الثلاث للهوية متعارضة  ومتناقضة ، ويظهر ذلك بوضوح في سلوكات الأفراد والجماعات المنتمية لكل مرجعية ، ونعتقد أن العامل الرئيسي لهذا التناقض هو اختلاف اللغة ، فالمجتمع الجزائري مقسم إلى مجموعات حسب اللغة المستعملة  قد لا تتفق مع بعضها البعض في كثير من الآراء والمواقف ، وما الأحداث الأخيرة التي شهدها المجتمع إلا دليل واضح على صحة ما ذهبت إليه الأستاذة خولة ، ونتفق معها نحن أيضا في ذلك .
ونورد هنا مثالا - مع بساطته وسذاجة صاحبه - يبين بوضوح مدى ارتباط اللغة بالهوية ، وهو أن طفلة نشأت في بيت أهل أمها الذي كان أصحابه يستعملون اللهجة القبائلية ، فتعلمت تلك اللهجة ولم تكن تحسن سواها ، غير أن أباها كان يخاطبها باللهجة العربية لأنه لا يحسن القبائلية هذا الوضع جعل الطفلة تسأل أمهاهل فلان   جار يتكلم اللهجة العربية  أخو أبي ؟
إن المجتمع الذي تسود فيه عدة لغات أو لهجات هو مجتمع هش البنيان  ، ضعيف الركائز وإذا أردنا إصلاح ما فسد في مجتمعنا ، علينا أن نربط أجيالنا بتراثنا العربي الإسلامي الذي ارتبطنا به فكرا ولغة وعقيدة وثقافة وتاريخا ، ويحتم علينا ذلك أن تكون لغة الثقافة التي نتعلم بها هذا التراث ، هي اللغة التي تبقى وتحافظ عليه ، وتعمل على نشره وازدهاره بين أبنائنا وبناتنا ونعني بها اللغة العربية .



















مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير تحت عنوان المحيط اللغوي وأثره في اكتساب الطفل اللغة العربية الفصحى من إعداد محمد الهاشمي.2005/2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق